منتدى الاشراف التربوي الاســــاسي في أربيــــل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفلسفات ذات الصبغة التقليدية واتجاهاتها في بناء المناهج التربوية

اذهب الى الأسفل

الفلسفات ذات الصبغة التقليدية واتجاهاتها في بناء المناهج التربوية Empty الفلسفات ذات الصبغة التقليدية واتجاهاتها في بناء المناهج التربوية

مُساهمة  esambotani الثلاثاء أغسطس 02, 2011 6:56 am

الفلسفات ذات الصبغة التقليدية واتجاهاتها
في بناء المناهج التربوية


تميزالصبغة التقليدية فلسفات معينة هي: الفلسفة المثالثة “Idealism” والفلسفة الواقعية الطبيعية “Naturalistic Realism” والفلسفة الإنسانية العقلية “Rational Humanism” والفلسفة الواقعية المدرسية “Scholastic Realism” والفلسفة الفاشية “Fascism” ،وسنتكلم في الصفحات التالية على كل واحدة من هذه الفلسفات منفردة عن الفلسفات الأخرى بما يوضحها مناهجها التربوية ومدى علاقاتها بالفلسفة التقليدية.

الفلسفة المثالية ومنهجها التربوي
Idealism

يعتمد النموذج المثالي الذي يشكل مناهج التربية لدى المثالين على ما قرره "أفلاطون" من أن الأفكار نهائية وكونية، وهي لذلك في غاية الأهمية، ولا يقصد "أفلاطون" بالطبع تلك الخواطر التي تترجمها الكلمات ولكنه يقصد بها في هذا المقام جوهر الأشياء التي يتكون منها الكون والمثل العليا التي تقاس بها، وإذا كانت الأشياء من وجهة النظر هذه تعرف حقيقة عن طريق الإحساس بها بأي أداة من أدوات الإحساس في الإنسان كالنظر واللمس والذوق وغير ذلك، فإنها قد صيغت على مثال سبق عند خلق الكون ونبعث فكرتها من خالقه، والعقل وحده هو الذي يستطيع أن يحكم عليها بأنها مطابقة أو غير مطابقة لهذه النماذج الكونية الأولى وتلك المثل التي وضعت أولاً، ولا شك أن الأفكار بهذا المعنى أزلية لا تقبل التغير أو التبدل، ومهما قيل من أن عناصر هذا العالم مستحدثة تخلقها الظروف والملابسات التي تظهر تباعاً في تدفق مستمر، فإن الأفكار والأشكال الأولى التي صيغت على منوالها هذه العناصر موجودة أزلا، وستظل كما هي إلى الأبد دون تحوير أو تعديل ، وقد عبر "أرسطو" عن هذا المعنى بقوله: كما يكمن النمو العضوي في العضو حتى تتاح له ظروف الظهور فيظهر ويقال حينئذ إن العضو قد نما، فإن الفكرة أو المثل الأعلى الذي يصل إليه العقل في فترة نضجه كان موجوداً في حصيلة الطفل الفكرية قبل أن يبدأ تعلمه، وكل ما للتعلم من ميزة أنه أظهر هذا الذي كان خافياً أو مهوشاً لا حدود له، وليس هذا التفسير بغريب فإن علم نفس الجشتالت “Gestalt” قد قال ما يشبهه عندما قرر أن الشيء تدرك كاينه الإجمالية أولا ثم تعرف تفاصيله بعد ذلك، ومعرفة التفاصيل متأخرة لا ينفي أنها كانت موجودة في الشي عند إدراكه الإجمالي، ولكنه من قبيل إظهار الموجود الذي لم تكن صورته محددة بعد.

وإذا كانت الأفكار هي التي تصور لنا النموذج الحقيق للعالم الذي نعيش فيه – وهي الأشكال النهائية الموضوعة سلفاً – فإنها بالضرورة تبني جوهر التربية الجديرة بالاعتبار، وتقيم صلب العمود الفقري للمناهج المدرسية، ومن ثم يجب التركيز على الناحية العقلية في التربية والتعليم وفي بناء المناهج الدراسية للمراحل المختلفة، وليس معنى هذا أن نهمل التربية الجسمية والمهنية أو نغفل تربية الإحساس أو الشعور أو الجمال في وضع المناهج، ولكن معناه عند ملاحظة الترتيب المندرج أن هذا النوع الأخير من التربية يحتل أقل المراكز وأدناها في المناهج الدراسية، أما الدراسات العقلية فتحتل أعلاها وأسماها فيها.

وقد خطا بعض المثالين خطوة أخرى ليقولوا: إن الواقع بما يشتمل عليه من ماديات يجب أن يكون فكرياً وواحداً، وبرهانهم على هذه المثالية المطلقة أن لب الواقع هو التفكير أو السبب في وجوده، والسبب مطلق، فهو إذا واحد غير متعدد، ولكن على الرغم من وحدويته فإنه يتضمن كل شيء متداخلاً بعضه في بعض، متآلفاً بعضه مع بعض، وإن بدت بعض العناصر الناتجة عنه متناقضة ومتنافرة، ذلك لأن العالم في جملته منسجم ومتسم بالنظام الدقيق والحكمة البالغة حتى في تضارب بعض عناصره المؤلفة له، وبهذا يمكن القول بأن الكون عملية تفكيرية عظيمة أو سببية مطلقة وهي تفكير الله، وكل شيء حدث أو سيحدث فهو نتيجة رغبة الذات العلية في تحقيق علة حدوثه التي كانت أزلا، ودور الطبيعة هو دور الوسيط الذي يمثل هذه العلية في نموذج يمكن إدراكه بالعقل الإنساني ذي القدرة المحدودة، وإذا كان العقل الإنساني هو الذي يكشف عن هذه العلية بفهمه لها ليثبت وجوده ويحقق الغرض منه، فإنه يشارك في طبيعة العقل المطلق، بل يعد جزءاً منه برغم نقصه وقدرته المحدودة.

وهذا الإطار البياني للفلسفة المثالية ينطق بالمعنى الدقيق لفلسفة التربية التقليدية، فمن الواضح أن المطلق يكون الجوهر، ومن ثم فهو الذي يحدد هدف المناهج التربوية بحيث لا يخرج عن أن يكون محاولة الوصول إلى إدراك هذا المطلق ومن ناحية أخرى فهو يوحي بأن التربية ينبغي أن تستمر وتدوم لأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه من أول محاولة، ولكن التكرار والاستمرار هما السبيل للقرب منه والوصول إلى بعض الدقة في تحديده، وينبغي ألا نغفل أن المطلق الذي تهدف إليه مناهج التربية كل ضخم المعنى واسع الحدود، ولذلك لا تقوى هذه المناهج – وهي جزء – إلا على إظهار النواحي الهامة منه فقط، فالفكرة المطلقة لا يمكن تعلمها بجميع ما تشتمل عليه ما دامت هي لا نهائية والعقل الذي يتعلمها قاصر ومحدود، وإذا فالإنجازات التربوية للمناهج – مهما بلغت من الكمال – تقصر عن الوصول إلى هذا الهدف النهائي.

وقد يقال أن هذا التفسير يتصف بالمرونة، ومن ثم فهو يرضي التقدميين عن الفلسفة المثالي ولكن ، ولكن النظرة الدقيقة الممعنة في هذه الفلسفة ترينها أنها تعتمد أكثر ما تعتمد على خاصية الإستقرار؛ لأن العقل المطلق الذي تؤكده وتهدف إلى معرفته يتميز بالشمول والإحاطة وعدم التحديد في زمان أو مكان،وهذا يعني بالطبع ثبوته الأزلى وكمال ذاته منذ القدم، وعدم تغيره أو تطوره في المستقبل. وهذا يعني هو الفرق بينه وبين عقل الطفل أو الرجل برغم أنه جزء منه؛ لأن الأخير له نهاية محدودة ويقبل التعلم والتطور ليصبح في الوقت المناسب ما قدر له أزلا أن يكون.

وشمول المطلق لكل شيء سواء وجد أو لم يوجد يجعل الحقيقة والخيرية كتابا مفتوحا على الدوام يقرؤه كل عقل. وهذا الامتداد هو الذي يباعد كثيرا بين الفلسفة التقليدية والفلسفة التقدمية؛ لأنه يحدد نموذجا للمناهج التربوية يختلف في الأولى عنه في الثانية. فالحقيقة والخيرية الأزليتان عند المثاليين تحددان قوالب التعلم التي يجب على الطفل أن يطابقها، وتشكلان الصيغ الجوهرية في موضوع التربية. فالتعلم حينئذ ليس ابتكارا وإبداعا ولكنه تحقيق الفكرة المطلقة بالنسبة للحقيقة والخير اللذين وضعا سلفا. وليست قيمة الأفكار في المدرسة المثالية مبنية على ما لها من أهمية في إنجاز بعض مشروعات التلاميذ كما يقول التقدميون، ولكن قيمتها ذاتية مأخوذة من أنها حقائق تمثل الواقع اللانهائي. ومن أجل ذلك فهي جديرة بالتعلم، وتستحق أن تكون في ذاتها هدف التربية ومناهجها.

وأيضا فالحقيقة تحمل صفة الحق دائما، ولا تكتسب هذه الصفة بالتجريب كما يقول البراجماسيون. ولذا فإن المنهج التربوي أو التعليمي يمكن وضعه سلفا على رأي التقليديين، كما يمكن تعلمه قبل أن يطبق ويستعمل وتظهر فائدته في الحياة، على خلاف ما يرى النفعيون كما سنوضح ذلك فيما بعد.

ولقد تطور مدلول الأفكار في التربية المثالية حديثا فأصبح يعني الحالات العقلية والتصرفات الفهمية التي يقوم بها الإنسان نفسه مما جعل اسم "الفلسفة الفكرية" يطلق على المثالية. وطبقا لما قرره بعض المحدثين من أصحاب هذه الفلسفة فإن نظرية المعرفة تتلخص في أن المعلومات التي يعرفها الإنسان عن البيئة التي يعيش فيها هي فكرته عنها، لأنها لا تعرف إلا بوساطة الأفكار التي يكونها المتعلم عن عناصرها المختلفة. والشكل الذي تأخذه المعرفة عنده مرهون بطريقة فهمه لما يتعلمه، فهو الحصيلة المعرفية لهذه الطريقة. وإذا كانت المدركات والمفاهيم تخرج من عقل المتعلم فإنها تشكل الجانب الجدير بالأولوية والاعتبار.

مما تقدم نرى أن دور العقل في كلتا العمليتين: التربوية والكونية ليس مجرد تحصيل ما يستحدث من صور الحياة، ولكنه الأساس الذي يعتبر جوهر الحقيقة نفسها. وحيث أن العالم هو فكرة المتعلم فإن التربية ومن اهجها تعد نوعا منن بناء العالم؛ لأنها تستهدف خدمة العقل والارتقاء بالفكرة حتى يمكن القرب من معرفة المطلق وإدراك أوجه التطابق بين أشكال الواقع الفانية وقوالبها السرمدية.

ولا شك أن الإتجاه العقلي للفلسفة المثالية بهذه الصور قد وضع العقل في مرتبة ذات أهمية كبرى بحيث لا يمكن أن يكون شيئا آخر غير الروح ما دام يشارك في طبيعة المطلق كما قدمنا. حقا أن الجسم والبيئة موجودان ولكنهما في النهاية يدخلان في دائرة العقل ويذوبان في محيطه. ولذلك كان للتأمل مركز ممتاز في علم النفس التربوي بحيث إذا أغفله لا يوثق به. والطبيعة الإنسانية لا ينظر إليها على أنها جسم له سلوك يستجيب لدوافع بيئية، ولكنها جوهر كلي يتأثر بعامته إذا تأثر جزؤه. وفي هذا تعضيد نظري للفكرة التي تنادي بتربية الطفل من جميع نواحيه حتى يصبح كلا مستقيما وفيه كذلك تعضيد لأهمية علم النفس للتربية.

وقد أصر بعض المثاليين على جعل الرغبة ـ لا العقل أو السبب ـ قلب الواقع الحقيقي ومركز المطلق. وهذه النظرة تجعل مناهج التربية خاصة بالفرد المتعلم بمعنى أنه لا شأن للمدرس أو الأبوين أو المدرسة أو أي مؤسسة أخرى بعملية التربية؛ إذ لا يستطيع أي منهم أن يقوم بتربيته تربية صحيحة، بل هو الذي يتولى تربية نفسه بوساطة المجهود الاختياري والنشاط الذي تدفعه إليه رغبته، غاية الأمر أنه عندما يفشل الاهتمام ولا تقوى الرغبة على تحريكه نحو النشاط التربوي فإنه يستحث ويجبر على القيام به. ومن هذا يتضح أن الطفل ـ من وجهة النظر المثالية ـ يجبر على تعلم الأساسيات المعرفية إذا فشلت طرق الدفع التربوي السهلة إليها.

ولكن سواء أكان جوهر المطلق هو الرغبة أم الفكرة فكلتاهما خاصة بالفرد، ويمكن أن تجر إلى ورطة الأنانية والتركيز على الذات بمعنى أنه ربما يصر كل من المدرس والتلميذ على أن الواقع جملة وتفصيلا هو ما يراه، وحينئذ تفسد العملية التربوية والاجتماعية؛ إذ تتباعد وجهات النظر وتتضارب العقول وهو مستحيل لأنها من طبيعة واحدة.ولكي يتفادى المثالي هذه الورطة يعترف بأن كل شيء يرجع إلى العقل، وعلى الرغم من تعدد العقول بتعدد الأفراد فإن العقل المطلق ـ وهو المهم ـ يحيط بعقول الأفراد جميعها ويتشعب من معناه معنى العقل الاجتماعي. وإذا فهناك عقول الأفراد، وهناك أيضا عقل المجتمع السائد الذي يشترك فيه الجميع ويعتبر كلا لما عداه من العقول. وبهذا التوضيح تنعدم فكرة التركيز على الذات لأن كل العقول الإنسانية تستمد من العقل المطلق.

والأهمية التربوية لهذه العبارات المجملة كبيرة جدا، فهي تضع الفرد في المكان الأول والمركز الأهم. وقد كثر الحديث فعلا عن الاستقلال الروحي للفرد داخل نطاق المثالية مما يمكن أن يسجل عليها الدعوة إلى اعتبار الديمقراطية تربة اجتماعية تنمو فيها نظريتها التربوية.

وقد يقال إن الفلسفة المثالية باعتدادها بالفردية في التربية هذا الاعتداد الكبير يصبغها بالصبغة الرومانتيكية، ولكنا نقول أنه على الرغم من ذلك فإن المحضية أو السببية المطلقة التي تدين بها والتي سبق توضيحها تجذبها بشدة إلى دائرة الفلسفة التقليدية. ومن ناحية أخرى فإن الفرد يبدو مسودا بالكل الاجتماعي، وهو معه يكون وحدة واحدة، وذلك بالطبع يقود المثالية إلى تعضيد الديكتاتورية في التربية.

بقي سؤال يحتاج إلى الإجابة عنه وهو: ما رأي الفلسفة المثالية في وضع التربية الدينية الخلقية داخل المناهج الدراسية ؟ وإجابة هذا السؤال تستدعينا أن نسترجع بعض حقائق هذه الفلسفة. فتعريف المطلق عند المثاليين يحمل معنى الإعتراف بوجود الله، والهدف التربوي الذي تؤكده هذه الفلسفة ـ وهو محاولة تحقيق المطلق والوصول إليه ـ يصبغ التربية لا شك بالأهمية الدينية ويتضمن مقومات التربية الخلقية. وأيضا فإن السبب الذي نتج عن هذا المطلق تحكمه القوانين والنظم. وحيث أن المطلق الذي أوجد الكون هو الله ـ كما تؤمن بذلك الفلسفة المثالية ـ فلا شك أن من بين هذه القوانين قانونا أخلاقيا سائدا تشيع فيه روح الله وإراداته وما يرضاه من تصرفات ومعاملات. وعلى هذا فالتربية الخلقية والدينية لازمة لتشكيل المناهج الدراسية وبنائها.

وجملة القول في الفلسفة المثالية أنها تقوم على تمجيد العقل والروح، والتقليل من شأن المادة.

وقد ذكر "أفلاطون" أن العالم المادي الذي نعيش فيه لا يستحق الاهتمام لأنه أشباح فانية، وإنما الذي يستحق الاهتمام هو عالم القيم الروحية والمثل العليا لأنها حقائق خالدة، وهي تتمثل في الخير والجمال ملاحظا أن الخير هو الحق وأنهما يتضمنان الدين والخلق. وبعبارة تفصيلية تتمثل هذه الحقائق الخالدة في الخير والجمال والحق والدين والخلق. فالمثالية إذا طبقا لفكرة أصحابها عن عالم المثل تمجد العناصر الآتية:

أولا: العقل، لأنه جوهر الأشياء، بل إن الكون يعتبر عملية تفكيرية كما قدمنا. وإذا فالإنسان الذي هو جزء الكون يجب أن يكون معقولا، ولا يصدر في أفعاله إلا عن حكمة وتعقل.
ثانيا: الجمال، لأن الحق والخير كلاهما يستقطر معناه من معنى الجمال أو يصطبغ بصبغته؛ فليس هناك حق قبيح. على أن الجمال بمعناه العم له دخل كبير في صفاء الروح ورقة الشعور وحسن التقدير، ومن ثم فالعقل ينبغي أن يتدرب على التفرقة في الحكم بين الغث والثمين والرفيع والمنحط في جميع المجالات التعليمية. والمتعلم يجب أن يعتاد رؤية الجميل تذوق القيم العالية في كل موضوع والاتصال بذوي الأخلاق الكريمة حتى لا تجذبه المناظر القبيحة أو يستهويه منحط القيم.

ثالثا: الدين، لأنه القانون الذي وضعه العقل المطلق وهو الله ليكون الصلة بينه وبين الإنسان بما يهذب نفسه، ويسمو بروحه، ويروضه على ممارسة الخير والأمر بالمعروف وإنكار الشر.

رابعا: الأخلاق، وهي التي تعمل جنبا إلى جنب مع الدين. بل إن الخلق الكريم يعتبر نتاجا لتمسك الإنسان بأهداب الدين وحرصه على اتباع مثله العليا وقيمه الرفيعة. وإنما أفردت بالتنبيه والتركيز حتى لا يظن أن التمسك النظري بمبادئ الدين يبني الخلق الكريم، فكم من ذي دين ليس له من دينه إلا اسمه، وهو بعيد كل البعد عن الفضائل الإنسانية وما يهدف إليه الدين من سمو في الأخلاق وسمو في الروح الإنسانية.

خامسا: رياضة البدن لا من أجل البدن، فإن المثالي لا يهم بالمادة ولا يعنى بها كما قلنا، ولكن من أجل الروح وخدمة العقل فإن كليهما لا تكمل رعايته والعناية به إلا إذا نال الجسم حظا من الرعاية والعناية تجعله خليقا بلياقته لهما وازدهارهما معه، فيقدران على الانطلاق والارتفاع إلى عالم المثل. "والعقل السليم في الجسم السليم" كما يقال.

ومن ثن فالمناهج التربوية للفلسفة المثالية تقوم على ما يلي:

1 ـ الغرض من التربية هو الارتفاع المتدرج نحو الوصول على إثبات المطلق ومعرفته. والسبيل إلى ذلك هو العناية بكمال الذات، فالمثالية التي تمجد المثل الروحية الخالدة بما تتضمن من الحق والخير تتجه بطبيعتها إلى النهوض بالذات الإنسانية والرقي بها إلى أقصى درجات الكمال الروحي لتكون أهلا للوصول إلى الفكرة المطلقة.
2 ـ الغرض الاجتماعي هام كذلك، فمع تقرير الفلسفة المثالية لخلود القيم الروحية تؤكد عموميتها واشتراك الأفراد فيها؛ بمعنى أن العقول المختلفة إذا ابتدأت التفكير من نقطة واحدة تصل إلى نتائج متشابهة. وعمومية الحقائق على هذا النحو تحتم أن المجتمع لكي يصل الفرد فيه إلى كمال ذاته لا بد أن يشتمل على قيم ومثل يشترك فيها الناس جميعا.
3 ـ لا يمكن الاستغناء عن المربي في نظر المثاليين، لأنه هو الذي يضع للمتعلم منهجه الدراسي. ويقوم بتهيئة الجو المناسب لتعليمه، ويجهز له البيئة المثلى للعيش والحياة، ثم يأخذ بيده ويرشده بنظرياته ودروسه ويوجهه في مجال العلم والعمل إلى المثل والحقائق التي يتصل به تدريجا إلى أقصى درجات الكمال الذاتي، فيتمكن بذلك من تحقيق الهدف من التربية. كما أن المربي ـ بسمو روحه وعقله ـ يضع من نفسه مثالا يحتذيه الطفل كي يتصف بما اتصف به أستاذه. فهو في حقيقة أمره المتعهد المخلص والراعي الأمين لنمو تلاميذه حتى يبلغوا بأنفسهم وبمقدراتهم الخاصة والتي تختلف من فرد إلى آخر أرفع مستوى يمكنهم أن يبلغوه، مثله في ذلك ـ كما يذكر فرويد ـ مثل البستاني الذي يتعهد حديقته بالري والتسميد والتشذيب وإبعاد عوامل البيئة الضارة لتنمو كل شجرة فيها حسب طبيعتها الخاصة دون تدخل منه في تغيير هذه الطبيعة أو تعديلها: فلا الورد ينمو نخلا ولا النخل ينتج قمحا أو شعيرا ولا الشعير ينتج بلحا وهكذا.
4 ـ تهتم الفلسفة المثالية بوضع علم النفس والأخلاق والمنطق والدين والعلوم الإنسانية بعامة في صلب المنهج التربوي؛ لأن هذه العلوم هي التي تخدم غرض التربية المثالية بصدق وأمانة، فالدراسات النفسية تهدي المتعلم إلى مواطن الخطر في السلوك، والقواعد الخلقية وأسس علم المنطق والدين كلها بالنسبة له بمثابة الأرض الصلبة التي يقف عليها حين يريد أن يرقى ويرتفع روحا وعقلا.
5 ـ طبقا لما ذكره سير رتشرد لفنجستون "Livinston " يجب أن يحاط الطفل بكل ما هو خير وسام. فليس هناك أفضل من معرفة أفضل الأمور في كل لون من ألوان الدراسة وكل مرحلة من مراحل النمو. وبذلك يعرف خير ما في الفن والهندسة والأدب والتاريخ والفكر والسياسة والصناعة والتجارة وخلق الناس ... وإن معرفة الرفيع من الأمور تزود المرء بالتوجيه والهدف والعزيمة؛ تزوده بالتوجيه لأنها تظهر له الغث من الثمين، وبالهدف لأنها تكشف له عن مثل أعلى يجب أن يعمل من أجل بلوغه، وبالعزيمة لأن اتخاذ المرء لنفسه مثلا أعلى يشجعه على العمل والجهاد. ومن أكبر الوسائل لغرس الفضيلة في نفس الطفل وجذبه نحو الخير ألا يرى إلا خيرا، وألا يمارس إلا الفضيلة، وألا يهدف إلا إلى المثل الأعلى.
esambotani
esambotani

عدد المساهمات : 72
تاريخ التسجيل : 01/04/2011
الموقع : eshraf.alafdal.net

https://eshraf.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى