أهمية المناهج التربوية للناشئين

**esambotani** الثلاثاء أغسطس 02, 2011 6:53 am

أهمية المناهج التربوية للناشئين

إذا كان المجتمع عبارة عن مجموعة أو مجموعات من الأفراد تجمعهم ثقافة واحدة، فإن كل خير تسديد مناهج التربية إلى المجتمع بعامة يعود أثره على الأفراد، أو هو خير للأفراد أنفسهم وبخاصة الناشئين منهم لأنهم الممثلون الحقيقيين لمستقبله ونهضته المنتظرة، وإذا فما تقدم من الحديث عن أهمية مناهج التربية للدولة والآباء تتبلور نتائجه في الشباب الناشئ وما يتحقق لهم من منافع قريبة أو بعيدة.

وحصراً للحديث في أهمية مناهج التربية للشباب والناشئين مباشرة فإن أقل ما تسديه هذه المناهج لهم هو أنها – إذا سلمت وصحت – تعطيهم مفتاح الحرية الحقيقية وتفتح عيونهم وعقولهم على الواجبات التي يكلفونها وعلى الحقوق التي يجب أن ينشئوا على الحرص عليها والدفاع عنها ضد من يريد اغتصابها منهم، ولقد كان الولاة من أسرة محمد علي يهملون تربية الشعب المصري وتعليمه ويغلقون أمامه المدارس ومنابع الثقافة لأنهم كانوا يأملون دوام السيطرة والسيادة والتحكم والانغماس في الهوى والشهوات حيث يغفو الشعب بجهالته وتطمس معالم النور في وجهه ضلالة من عدم المعرفة والتعليم.

وقد قيل إن الظلم في ذاته لا يولد الثورة، ولكن الذي يولد الثورة هو الإحساس بالظلم، وليس هناك من سبيل للإحساس بالظلم أقوم من أن يتعلم الإنسان ويتهذب ويزداد ثقافة وخبرة، فيعرف عن هذا الطريق ما له فيسعى وراءه، ويقبض عليه – إن ناله – بيد من حديد لا يعرف التفريط إلا بإسلام الروح، وكلما تعلم الإنسان وتهذب صغيراً وتدرب على ممارسة حقوقه منذ عهد الطفولة كان ذلك أدعى ألا يتهاون فيها عند الكبر، وأقوى صلابة في الدفاع عنها والوقوف في وجه غاصبيها، وذلك ما كان يخشاه كثير من الحكام الطغاة قديماً فأهملوا التربية ومناهجها الصحيحة أيما إهمال وانصرفوا يعبثون بمقدرات الشعوب وينهبون خيراتها لاعبين.

ولسنا نقصد بتربية الأفراد هنا مجرد إعدادهم عن طريق المناهج التعليمية ليكونوا كتبة وموظفين بمكاتب الحكومة ودواوينها كما كان يحدث في مصر في عهود غابرة، لأن هذا القصد تضييق خاطئ سقيم لمعنى التربية، وإنما نقصد بتربية الفرد طرد الجهل من رأسه لأنه ظلمه وإحلال العلم والمعرفة مكانة لأنه نور، فتعمل مناهج التربية حينئذ على تغذية نموه العقلي وتطوره بما يفتح أمامه مستغلق المشاكل والصعاب ويهديه إلى أسلم الحلول وأدناها إلى الصواب في مواقف الحياة التي تعترضه، وتنمي فيه الاتجاهات والعادات والمفاهيم التي تعد جوهر التكيف الاجتماعي الصحيح، والتي ترضيه عن نفسه وتشعره بأهمية وجوده في البيئة التي يعيش فيها وتساعده على تطوره الاجتماعي، وتمده بالمعلومات الحقيقية التي تعتبر أساس الأحكام المعقولة واتخاذ القرارات الحكيمة، وتساعده على اطراد صحته الجسمية والعقلية، وعلى نموه الخلقي والروحي، وتهذب نفسه وإحساسه وتخلق فيه روح الاعتماد على النفس، واحترام الأعمال والمهارات المختلفة – مهما بدت في نظر البعض حقيرة – لأنها تؤدي رسالة إجتماعية وتسد بعض الحاجات التي لا غنى عنها، وتفتح أمامه مجالات المعرفة والتزود بالخبرات وعدم الانقطاع عن الدرس والتحصيل.

بهذا كله نصل بمناهج التربية إلى أهدافها في الشباب فينشئوا "صالحين قادرين على أن يعيشوا أولاً، وعلى ألا يقتنعوا بأدنى العيش بل يرغبون في طيبات الحياة ويستطيعون أن يبلغوا منها بعض ما يريدون ثانياً، وعلى أن يفهموا معنى الوطن ويقدروا حقه عليهم ثالثاً، وعلى أن يفهموا هذه الصلة الاجتماعية التي تمكنهم من أن يعايش بعضهم بعضاً ويزاحم بعضهم بعضاً في غير مضارة ولا تعمد للشر ولا قصد إلى إثم ولا تورط في الجرائم والسيئات رابعاً، وقادرين أخيراً على أن يفهموا معنى الإنسانية ويحققوه ويشعروا بمالهم على الأمم الأجنبية من حق وما عليهم لها من واجب، قادرين على الجملة أن يفهموا الحياة وينهضوا بتبعاتها لأنفسهم وأسرهم ووطنهم والناس جميعاً".

إن مناهج التربية السليمة فيها بناء لشخصية المتعلم الفردية والاجتماعية، واكتمال لمقومات حياته السعيدة، وسبيل إلى إشباع حاجاته والسمو بقدراته واستعداداته وتحقيق لرغباته عن طريق مشروعة لا اعتداء فيها على حرمات الآخرين ورغباتهم، وإذا كانت مناهج التربية تؤدي مثل هذه الخدمات للشباب وتقوم بتلك الوظائف التي تحدثنا عنها فما أحراها أن تتصف بالأهمية الكبرى للناشئين، وما أحرى الأمة – والشباب طليعتها في الحاضر وعدتها في المستقبل وجيشها الوطني الذي يكون شعبها ويحقق آمالها – ما أحراها ألا تبخل عليهم بالتربية والتهذيب والتثقيف مصوغة في أمثل المناهج التي تحقق لهم هذه الأهداف.